“خضرة” كما تراه «نور قربي»: ربط الجذور بالأرض والهوية

“خضرة” كما تراه «نور قربي»: ربط الجذور بالأرض والهوية
حوار: مروة محاميد
من كفر قرع، بلدة المثلث الشمالي الفلسطيني المتجذرة في التاريخ والخصوبة، تنطلق حكاية نور قربي. هذه الشابة الثلاثينية، الأخصائية النفسية المجتمعية ذات الرؤية الثاقبة، تحيي من خلال مشروعها “خضرة” علاقة كفر قرع العميقة بأرضها. فكفر قرع، التي شهدت محطات تاريخية هامة واعتمدت على خيرات أرضها الزراعية الوفيرة، تلهم نور في سعيها لتعزيز هذا الارتباط الحيوي، مستندة إلى خلفيتها الأكاديمية المتنوعة التي تثري فهمها لأبعاد هذا الرابط.
بلدة كفر قرع
تمتد جذور كفر قرع لثلاثة قرون في عمق التاريخ، وشهدت محطات هامة كالثورة الفلسطينية الكبرى. واليوم، تعكس البلدة صمودًا وتطورًا، حيث تحافظ على آثار الماضي الناطقة وتنظم فعاليات ثقافية تنبض بالحياة والانتماء. إنها حكاية ارتباط وثيق بالأرض، ليس مجرد مفهوم، بل واقع تجسده خصوبة أراضيها التي ارتوت عبر التاريخ من مياهها الوفيرة، واشتهرت بزراعتها الغنية. فتضاريس كفر قرع المتنوعة وجمال طبيعتها يعكسان هذا العمق في العلاقة بين أهلها وأرضهم الخضراء.
نور قربي
تعمل نور كأخصائية نفسية مجتمعية، وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في علم النفس ودراسات نسوية وجندر، بالإضافة إلى درجة الماجستير في علم النفس المجتمعي بتخصص اتخاذ القرارات. وتتابع حاليًا دراسة ماجستير إضافية في مجال دراسات وإدارة الموارد الطبيعية والبيئة.
هذه الخلفية الأكاديمية المتنوعة تثري رؤيتها لمشروعها “خضرة”، الذي نشأ من هدف أساسي يتمثل في تعزيز ارتباطنا العميق بالأرض بكل ما تحمله هذه العبارة من معان مجازية وحقيقية فعلية ومعنوية.
نشأة مشروع خضرة ورؤيته: كيف تبلورت فكرة المشروع وماهيته وأهدافه الأساسية
نشأت فكرة مشروع خضرة انطلاقًا من هذا الهدف الأساسي المتمثل في تعزيز ارتباطنا العميق بالأرض بكل ما تحمله هذه العبارة من معان مجازية وحقيقية فعلية ومعنوية. أسعى لتحقيق ذلك من خلال ربط ثلاثة محاور جوهرية: الهوية والأرض والنفس والمجتمع.
أؤمن بأننا نتواصل مع ذواتنا من خلال الأرض والنبات والبيئة، وبالمقابل نتواصل مع الأرض والنبات والبيئة عبر هويتنا وروايتنا الجماعية والفردية.
لدي إيمان راسخ بقوة النباتات في سرد القصص والتعبير عنا، كما أرى أن المعرفة أداة تمكين قوية، ومن خلال هذه المنصة أود تقريب المعرفة في مختلف المجالات للجميع.
فالشعب الذي يمتلك جذورًا قوية في أرضه هو شعب متصل بتراثه وأجداده وروايته التاريخية، وهو شعب يعرف وطنه ويتجول فيه ويدرك تاريخه ويمارس علاقته بالأرض من خلال الفلاحة والزراعة.
تقدم الصفحة معلومات متاحة للجميع حول كيفية العناية بنباتات الزينة المحببة، وهو الهدف الأولي للمشروع: بناء دليل للعناية بالنباتات باللغة العربية.
كما تتضمن القصص اليومية ممارسات وتفاعلات مع الأرض والبيئة ومعلومات عن مناطق البلاد وجولاتها ومشاركات حول الزراعة والحصاد والتواصل بين الأجيال مع كبار السن ومصطلحات وجمل فلسطينية متنوعة جغرافيا ومواضيع حول البيئة وكيفية الحفاظ عليها مع التركيز بشكل خاص على الجانب النقدي الذي يربط كل ذلك بمنظور الهوية الفلسطينية.
تعود نشأة المشروع إلى قصتين قصيرة وطويلة نشأت في بيئة منزلية غنية بالنباتات والخضرة، حيث كنا نزرع في كل موسم. وعندما انتقلت إلى الجامعة وعشت في مدينة ذات مبان مكتظة تفتقر للشرفات أدركت قيمة الأرض والزرع وبدأت أبحث عن طرق لإدخال الخضرة والحياة إلى مساحتي وهناك تعرفت على النباتات الداخلية.
وعندما بدأت الاهتمام بالنباتات الداخلية واجهت صعوبة في العثور على معلومات باللغة العربية فكنت أبحث وأجد مصادر باللغتين الإنجليزية والعبرية.
وعندما سعيت للتواصل مع أشخاص يشاركوني شغف العناية بالنباتات بالقرب مني وجدت متحدثين بالعبرية فقط لذا قررت إنشاء هذه المنصة لنفسي لبناء دليل ولغة ومنصة للنباتات باللغة العربية باللغة المحكية والعامية بطريقة سهلة ومتاحة.
أمتلك خبرة واسعة في هذا المجال وأهدف إلى جعل حياتي وحياة الأفراد أكثر خضرة على الصعيدين البيئي والنباتي حتى أن البعض يطلق علي لقب طبيبة النباتات.
بدأت الصفحة بهوية مجهولة لأنه لم يكن يهمني أن يعرفوا من أنا بل أردت أن يحبوا المحتوى لقيمته الذاتية لا لأنه صادر عن نور.
أردت أن أثبت لنفسي وللخوارزميات أن محتوى بدون وجه وشخص يمكن أن ينتشر ويحب. ومع مرور الوقت بدأ مشروع خضرة يتوسع ليأخذ شكلًا أكبر من مجرد دليل للعناية بالنباتات وبدأ يلامس قضايا بيئية أخرى مثل هدر الطعام وثقافة الاستهلاك والتلوث بالإضافة إلى قضايا الهوية والوطن والعلاقة بينهما.
اليوم أتلقى عشرات الرسائل يوميًا يسألني فيها الناس عن كيفية العناية بالنباتات وأقدم التعليمات وأجيب بكل سرور ومحبة.
انعكاس ورشات خضرة وأهمية المشروع:
ما هو الشعور المصاحب لتقديم ورشات خضرة وما القيمة الشخصية والمجتمعية لهذا المشروع؟
عندما أقدم ورشات أشعر بقوة وقدرة على إحداث تغيير. أشعر بأنني أحدث فرقًا في حياة الناس، لا أقدم لهم علمًا جديدًا يجهلونه تمامًا بل على العكس أقرب لهم المفاهيم إلى حياتهم وأمنحهم آليات عملية وواقعية.
أشعر بأنني أخلق لغة تواصل جديدة والتغذية الراجعة التي أتلقاها تعزز هذا الشعور. يكون هناك طاقة رائعة في فضاء الورشة.
خضرة ليس مجرد مشروع ولا أعرف حتى إن كان بإمكاني تسميته مشروعًا بالمعنى التقليدي. عمر خضرة يقارب الثلاث سنوات وهذه أول سنة تحقق فيها أرباحًا قليلة جدًا. خضرة هي أنا بصيغتي المجهولة الهوية.
أنا فخورة جدًا بهذا المشروع وبخضرة أحبها كثيرًا وأحب نفسي وأنا خضرة تعني لي الكثير فالعلاقات التي تطورت فيها ومن خلالها والفرص والتعلم والروابط والحياة التي بنيت بفضل خضرة كلها أمور تجعلني فخورة جدًا بها.
تحليل سياسات المياه والأشجار:
شرح موجز وواف لمنظور المشروع تجاه سياسات المياه والأشجار في المنطقة
يكمن جوهر هذا التحليل في محاربة ما يعرف بـ “الغسيل الأخضر الإسرائيلي” أي التستر خلف ستار الاهتمام بالبيئة والتنوير لإخفاء انتهاكات الحقوق والمخالفات.
الهدف هو أنه خلف كل عمل بيئي تقوم به إسرائيل من الضروري أن ننظر إليه بعين ناقدة ونتساءل عن الهدف الخفي. نكتشف في النهاية أن الدافع في الغالب سياسي مثل زراعة أشجار أوروبية سريعة الاشتعال في بلاد الشام لإخفاء آثار القرى المهجرة وإعطاء شعور بالانتماء لليهود القادمين من أوروبا أو مثل سياسات وقوانين وانتهاكات المياه وسرقة المياه وتعطيش الفلسطيني ومنعه بشتى الطرق من تحقيق الاستقلال أو التمتع بالسيادة المائية أو حتى تقليل الاعتماد على إسرائيل.
في نهاية المطاف نرى أن الأمر برمته سياسي فكل خطوة بيئية تحمل دافعًا ومصلحة إسرائيلية للسيطرة.
رسالة خضرة وتطلعاتها المستقبلية
“خضرة”: دعوة لتعزيز الجذور وتطلعات نحو العالم العربي: تنطلق رسالة “خضرة” بدعوة إلى التمسك بالجذور في أوسع معانيها، فهي ليست فقط الأرض المادية، بل الإرث الثقافي الغني، وخاصة الفلسطيني، الذي نسعى لحمايته من الاندثار والتحديات.
هدفنا هو تعزيز ارتباطنا بهويتنا، وتقوية النسيج الاجتماعي، وتنمية الوعي البيئي من خلال هذا التواصل العميق بالذات والجذور.
أما طموحاتنا، فتتجاوز الحدود نحو العالم العربي، الذي أتوق كفلسطينية من الداخل إلى التواصل معه وتجاوز الحواجز. أحلم بأن تصبح “خضرة” منصة جامعة للعالم العربي، تتوسع بأنشطتها ومنتجاتها لتصل إلى أوسع شريحة من الناس وتحدث تغييرًا إيجابيًا في مجتمعاتنا.