الأربعاء , 28 مايو 2025 - 11:56 مساءً

الشاشة الصغيرة والكبيرة: قوة التأثير في وعينا الجماعي

الصورة من موقع تصوير الحلقة الوثائقية حول دار المسنين في المجتمع العربي

الصورة من موقع تصوير الحلقة الوثائقية حول دار المسنين في المجتمع العربي

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

سامية عرموش

 

لا يخفى على أحد الدور المحوري الذي تلعبه الأفلام والبرامج التلفزيونية في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. فهي ليست مجرد أدوات للترفيه، بل نوافذ نطل منها على ثقافات مختلفة، وقصص متنوعة، وقضايا ملحة، لتترك بصماتها الواضحة على سلوكياتنا وأفكارنا.

ببراعة السرد البصري والقصصي، تستطيع هذه الوسائل الإعلامية أن تفتح أعيننا على تجارب الآخرين، سواء كانوا يعيشون في زوايا بعيدة من العالم أو يواجهون تحديات لم نعهدها. من خلال هذه النوافذ، يصبح وعينا بأحوال الناس وأوجاعهم أعمق وأكثر شمولية.

ولعل الأهم من ذلك، قدرة الأفلام والبرامج على تشكيل الرأي العام. فمن خلال رسم ملامح شخصيات معينة وتسليط الضوء على مواقف محددة، توجه هذه الأعمال نظرتنا نحو القضايا المطروحة، وتساهم بشكل فعال في بناء قناعاتنا وآرائنا حولها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل تغيير المفاهيم ذاتها، عبر تقديم أفكار جديدة أو زوايا نظر مختلفة تدعونا إلى التفكير النقدي والتعمق في المسائل.

كما أن لهذه الشاشة قوة كامنة في تعزيز القيم الإيجابية، فهي قادرة على إلهامنا وتبني مفاهيم كالتسامح والعدالة، وفي الوقت نفسه، تحذيرنا من السلوكيات والأفكار السلبية. وقد يتعدى التأثير حدود الفكر ليصل إلى السلوك العملي، حيث تلهمنا بعض الأعمال أو تدفعنا إلى تبني أنماط سلوكية معينة.

ويكتسب هذا التأثير بعدًا استراتيجيًا عندما يتعلق الأمر بالأجيال القادمة. فالأفلام والبرامج التي يشاهدها الأطفال والشباب تزرع بذور الأفكار والمعتقدات والقيم التي سترافقهم في مستقبلهم. هذا الدور الحساس يضع على عاتق صناعة السينما والتلفزيون مسؤولية جسيمة في تقديم محتوى هادف وبناء.

ولا تقتصر وظيفة هذه الوسائل على الترفيه والتأثير غير المباشر، بل يمكن أن تكون أدوات قوية للتوعية بالقضايا الهامة، سواء كانت حقوق إنسان، أو بيئة، أو صحة عامة، مما يساهم في إحداث تغيير إيجابي وملموس في المجتمع.

بينما تلعب دورًا توعويًا، لا يمكن إغفال استخدامها في الدعاية والترويج، حيث تؤثر في سلوك المستهلكين وتعزز اتجاهات استهلاكية معينة.

وفي نهاية المطاف، تبقى الأفلام والبرامج التلفزيونية مرآة صادقة تعكس صورة المجتمع بثقافته وتقاليده وقيمه، مما يجعلها وسيلة لا تقدر بثمن لفهم الذات الجماعية والتعرف على ملامح المجتمع الذي نعيش فيه. وفي أحيان كثيرة، تتجاوز دور المرآة لتصبح حافزًا للتغيير الثقافي والاجتماعي، عبر طرح قضايا جريئة وتقديم نماذج جديدة تلهم الأجيال المتعاقبة.

إن قوة الشاشة الصغيرة والكبيرة في تشكيل وعينا لا يمكن إنكارها، مما يستدعي منا وعيًا نقديًا لما نشاهده، وتقديرًا للدور الهام الذي تلعبه هذه الصناعة في بناء مجتمعاتنا وتوجيه مسارات تفكيرنا.

#برأيك، ما هو الفيلم أو البرنامج التلفزيوني الذي ترك فيك أثرًا عميقًا وغير نظرتك إلى قضية معينة؟ شاركنا رأيك!

 

 

** هذه الصورة من موقع تصوير الحلقة الوثائقية حول دار المسنين في المجتمع العربي، وهي إحدى حلقات سلسلة 'دوامات' التي كنت المحررة الرئيسية لها وعرضت على شاشة قناة مكان - صيف 2019.

×