الثلاثاء , 03 يونيو 2025 - 5:30 صباحاً

الشللية: دوائر مغلقة تخنق الكفاءات وتعيق التقدم - كتبت: سامية عرموش

سامية عرموش

سامية عرموش

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: سامية عرموش

في دهاليز العمل الصامتة، وفي ثنايا النسيج الاجتماعي المعقد، تتشكل ببطء وثبات كيانات خفية لكنها مؤثرة: الشللية. إنها تلك الدوائر الضيقة التي تحتضن أعضاءها حصريًا، وتمنحهم امتيازات مبنية على روابط شخصية وولاءات ضيقة، لا على أساس الكفاءة والجدارة. يميل هؤلاء إلى ترفيع ودعم من يشاركهم الآراء، أو ينتمي إلى نفس الخلفية، أو ببساطة، تربطهم بهم صداقة شخصية. هذه الشبكات، التي تنشأ بهدف معلن أو غير معلن لتعزيز مصالح أعضائها، غالبًا ما تفعل ذلك على حساب تهميش وإقصاء الآخرين، أولئك الذين قد يمتلكون القدرات والمؤهلات الأفضل.

دعونا نتساءل بجدية: كم من شخص متواضع القدرات ارتقى سلم المسؤولية والنفوذ بفضل مظلة الشللية الواقية؟ وكم من قامة فكرية، وكم من موهبة فذة، وكم من كفاءة نادرة، وئدت طموحاتها وأُقصيت جانبًا لأنها لم تحظَ بـ "شرف" الانتماء إلى هذه الحصون المغلقة، أو لأن آراءها لم تتوافق مع توجهات "الحرس القديم" المسيطر؟

قد يخرج علينا البعض ليبرر هذه الآفة تحت ستار براق مثل "التشبيك" و"خدمة المجموعة"، مدعيًا أنها آلية ضرورية لتعزيز التعاون المثمر وتحقيق الأهداف المشتركة. لكن الحقيقة المرة غالبًا ما تكشف أن هذه الشبكات ما هي إلا سدود عاتية تقف في وجه تدفق الكفاءات المتنوعة القادرة على إحداث نقلة نوعية حقيقية. إن هذا التركيز المشين على معايير الولاء الضيق والانتماء الحزبي أو الشخصي، بدلًا من الاحتفاء بالجدارة والمهارة المهنية، لا يؤدي إلا إلى إضعاف المؤسسات على المدى الطويل، ويعرقل مسيرة التنمية والازدهار.

إن التحرر من هذه العقلية الشللية الفاسدة يتطلب منا جميعًا وقفة تأمل جادة ووعيًا عميقًا بأضرارها الجسيمة. يجب علينا أن نشجع بكل قوة بيئة عمل ومجتمع يقدر التنوع الفكري والمهاري، ويمنح الفرص بناءً على معيار العدالة المطلقة: الاستحقاق. تخيلوا معي، كم من إنجاز عظيم كان يمكن أن يتحقق، وكم من قصة نجاح ملهمة كان يمكن أن تُروى، لو أتيحت الفرصة كاملة للمؤهلين بحق لتجاوز حواجز الشللية المصطنعة؟

إن كسر هذه الدوائر المغلقة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لبناء مستقبل أكثر عدلاً وإنتاجية وازدهارًا للجميع. فهل نحن على استعداد لاتخاذ الخطوات الجريئة نحو هذا التغيير؟

 

الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.

×