الجمعة , 06 يونيو 2025 - 10:31 صباحاً

الدكتورة روز اليوسف شعبان: حين تتحوّل الكلمة إلى وطن لا يُحتل

الدكتورة روز اليوسف شعبان

الدكتورة روز اليوسف شعبان

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: رانية مرجية

في زمن تتبدّل فيه المعايير، وتضيع البوصلة بين الضجيج والنوايا، تظلّ أسماء قليلة تضيء المشهد الثقافي التربوي الفلسطيني كمناراتٍ لا تخبو.

وها هي الدكتورة روز اليوسف شعبان، ابنة طرعان الجليلية، واحدة من هذه المنارات، امرأةٌ اختارت أن تجعل من اللغة بيتًا، ومن القصة وطنًا، ومن التعليم مقاومة ناعمة، ومن الطفولة حقلاً للكرامة والضوء.

من طرعان إلى فضاءات اللغة والمنفى

ولدت روز في بلدة طرعان الجليلية، حيث حجارة الأرض تشهد للفلسطيني على عمق جذوره. نهلت علومها من جامعة حيفا، وواصلت حتى نالت الدكتوراه من جامعة تل أبيب عام 2019، بعد دراسة عميقة لأدب المنفى والاغتراب في روايات غالب هلسا، فكوّنت لنفسها أدوات تحليل أدبي وإنساني جعلت منها باحثة ذات نبرة خاصة.

لكنها، وبعد سنوات من العطاء في الميدان التربوي، آثرت التقاعد المبكر قبل عامين، لتمنح مشاريعها الثقافية الأدبية كامل طاقتها.

اللغة بيتٌ وهوية لا تُنتزع

ترى الدكتورة روز أن اللغة العربية ليست فقط وسيلة تواصل، بل وطن رمزي، ومساحة أمان نفسي، وجدار صد ضد الأسرلة، خصوصًا للأطفال الفلسطينيين في الداخل المحتل.

تُعلّم اللغة لا بوصفها مادة دراسية، بل ككائن حيّ، فيه الطين والورد، فيه الثورة والحنين، وفيه ما يجعلنا “نكون أو لا نكون”.

القصص التي تبني الإنسان: مشروع الطفولة الهادئة

ما يميز روز شعبان، ليس فقط صدق مشروعها، بل رؤية فلسفية دقيقة لكتابة أدب الأطفال، إذ لا تقع في فخ التبسيط الساذج، ولا تغرق في الوعظ أو الشعارات.

بل تؤمن أن الطفل كائن عاقل يستحق أدبًا يُشبهه ويُحترمه، فيكتب له أدبًا راقياً ينحت فيه القيم، دون أن يُقيده.

“حذاء ريتا”

في هذه القصة، تفاجئنا روز بأسلوب شبه حالم. فريتا، الطفلة، تتلقى من امرأة عجوز حذاءً سحريًا، ينقلها إلى بلاد العجائب، حيث الأمن والسلام والنظافة تعمّ المكان.

لكنّ ريتا، وعند عودتها، لا تبكي على واقعها، بل تتساءل:

“كيف يمكنني أن أجعل بلدتي جميلة ونظيفة ويسودها السلام؟”

إنها قصة تزرع الوعي دون قسوة، تدفع الطفل للتفكير لا للانفعال، وتُقدّم له الأمل كأداة تغيير.

“برتقال يافا”

ليس مجرّد سردٍ نوستالجي، بل جسر بين ذاكرة الجدة وفضول الحفيد. عبر رمز البرتقال، تُعيد الكاتبة بناء الرابط مع المدن المسلوبة دون شعارات، بل عبر الحنين النقي، فتغرس في الطفل حب يافا، دون أن يراها.

“مفتاح جدتي”

تستخدم روز رمز المفتاح ليس فقط كأثر من آثار النكبة، بل كرمز للحق الثابت الذي لا يسقط بالتقادم.

الطفلة في القصة لا تتعامل مع المفتاح كشيء تاريخي، بل كمشروع حياة، ومسؤولية مستقبلية.

“أزهار البنفسج”

قصة حُب للحياة، وللجمال، وللأمل، رغم الغبار السياسي. تُدرّب الطفل على التأمل، وتفتح له نافذة على العالم الرقيق، بعيدًا عن ثقافة الخوف.

“عيد الأطفال”

هنا، تعلن روز أن الطفولة الفلسطينية من حقها أن تفرح وتحتفل وتضحك. القصة رسالة بسيطة لكنها حاسمة: لسنا ضحايا فقط، بل أصحاب حياة.

التعليم كفعل تحرر صامت

خلال سنوات عملها في التعليم، أدركت الدكتورة روز أن المدرسة ليست مصنع علامات، بل مصنع كرامة.

لم تكن مديرة مدرسة تقليدية، بل مربّية تستثمر في العلاقة مع الطفل كمفتاح لبناء إنسان لا يخاف من ذاته، ولا يتنازل عن هويته.

كانت تُمارس المقاومة اليومية عبر الكتاب، والدفتر، والكلمة الحنونة.

القصيدة: حين تُصبح الأنثى وطنًا

أصدرت روز دواوين عدة منها “أحلام السنابل”، “أشواق تشرين” و*“قيثارة الأصيل”*، وفيها جميعًا تمزج بين التجربة الذاتية والهمّ الجمعي، بين حضور المرأة كأنثى، وكفلسطينية، وكمعلمة.

قصائدها لا تصرخ، بل تهمس. لا تتغنّى بالموت، بل تحتفي بالحياة رغم الوجع.

هي تكتب لتشفى، ولتشفي، ولتقول: “نحن باقون لأننا نكتب، ونحب، ونغفر.”

التكريم ليس غاية بل عبء نبيل

عام 2022، منحتها مؤسسة “سيدة الأرض” لقب “شخصية العام”، كنموذج للمرأة الفلسطينية العاملة والمثابرة.

لكنها لا تتعامل مع التكريم كمنصة استعراض، بل كشهادة مسؤولية تجاه الأجيال الجديدة، والمجتمع، واللغة.

كلمة أخيرة: ليس كل من كتب صار كاتبًا، إلا أن روز كانت استثناء

روز شعبان لا ترفع صوتها في المعارك، ولا تتاجر بالحزن، ولا تستجدي المجد.

هي امرأة تؤمن أن أدب الأطفال يحتاج إلى شاعر أكثر من خطيب، وإلى معلم أكثر من مذيع، وإلى حالم أكثر من بطل.

تلك هي روز: امرأة صاغت من التواضع تاجًا، ومن الكلمات أجنحة، ومن اللغة مأوى آمنًا لطفل يتلمّس طريقه في واقع معقّد.

وإن كانت قد اختارت التقاعد المبكر، فهي لم تتقاعد من رسالتها، بل كرّست لها كل الوقت، لتصبح صوتًا للأطفال، ومرآةً للأمهات، ومرجعًا تربويًا نادرًا في زمن التهافت.

×