"عالم هاياو ميازاكي": فن الحوار بين الخيال والواقع

"عالم هاياو ميازاكي": فن الحوار بين الخيال والواقع
كتبت: سامية عرموش
نظم قسم المركز الجماهيري طبريا 15 في حيفا، مساء اليوم الثلاثاء، 24 حزيران، محاضرة افتراضية عبر "زوم" حول عالم المخرج الياباني الكبير هاياو ميازاكي. قدم المحاضرة المحاضر عمري نغاري، المختص في الثقافة اليابانية، مسلطًا الضوء على مصادر إلهامه والفولكلور الياباني الذي يشكل نسيج أفلامه، وكيف يرى ميازاكي العلاقة بين اليابان والغرب.
الغوص في أعماق الإلهام
تهدف هذه المحاضرة إلى التعمق في مصادر إلهام ميازاكي، ومحاولة فهم ما الذي يجعل أفلامه جذابة جدًا للكثيرين. خلالها، تم التعرف على مصادر الفولكلور الياباني الذي يستلهم منها أفلامه، ومن أين يستمد إلهامه. كانت المحاضرة دعوة للغوص في رحلة داخل عالم من الشياطين، الأرواح، والطائرات، لفهم أفلام ميازاكي بشكل أفضل، واستكشاف رأيه الحقيقي في اليابان والغرب.
هاياو ميازاكي: أيقونة الأنمي وفيلسوف الطبيعة
لفهم هذه الرؤى العميقة التي تناولتها المحاضرة، من الضروري أن نتعرف على هاياو ميازاكي نفسه. إنه المخرج والرسام والمنتج الياباني الشهير، ومؤسس مشارك لاستوديو جيبلي (Studio Ghibli). اشتهر ميازاكي بأفلامه التي تمزج الخيال بالواقع ببراعة. أعماله مثل "جاري توتورو"، "الأميرة مونونوكي"، و**"المخطوفة"** (الحائز على الأوسكار)، تتميز بمواضيعها العميقة عن البيئة، الطبيعة، التكنولوجيا، الطيران، والسلام، وبتسليطها الضوء على شخصيات نسائية قوية.
ثيمات ميازاكي: تعقيد الوجود وعمق العلاقات
تتجاوز أفلام ميازاكي مجرد القصص الترفيهية لتقدم رؤى فلسفية. فهي تتمحور حول ثيمتين رئيسيتين تعكسان نظرة عميقة ومعقدة للعالم:
1. الإنسان وغير الإنسان: تداخل لا انفصال
يرى ميازاكي العلاقة بين البشر والكائنات الأخرى (سواء كانت طبيعية، أرواح، أو كيانات خيالية) ليست فصلًا حادًا، بل طيفًا متصلًا يتطلب فهمًا وتناغمًا. "غير الإنسان" في أفلامه غالبًا ما يكون حارسًا للتوازن البيئي. ينشأ الصراع من محاولة البشر السيطرة على الطبيعة، بينما يأتي الخلاص من التعايش والاحترام المتبادل. هذه النظرة تدعونا للتأمل في مكانة الإنسان داخل النسيج الكوني.
2. الجيد والشرير: مناطق رمادية ودوافع معقدة
على عكس القصص التقليدية، نادرًا ما يقدم ميازاكي شخصيات شريرة خالصة أو خيرة تمامًا. بدلاً من ذلك، يستكشف الدوافع المعقدة وراء الأفعال. "الشر" غالبًا ما يكون نتاجًا للخوف، الجشع، أو الجهل، وليس مجرد خبث مطلق. حتى الأبطال لديهم عيوب، وتطورهم يكمن في تجاوزها وتعلم التعاطف والفهم. ميازاكي ينتقد الأنظمة والأفكار التي تسبب المعاناة (كالحرب والتلوث) بدلًا من شيطنة الأفراد، مؤكدًا على أن الحياة مليئة بالتعقيدات الأخلاقية التي تتطلب تفكيرًا أعمق.
دروس مستفادة من عوالم ميازاكي
إذاً، ما الذي يمكننا أن نأخذه معنا من هذه الثيمات العميقة التي ينسجها ميازاكي في أعماله؟ تقدم أفلامه دروسًا قيمة للحياة، تدعونا إلى:
• احترام الطبيعة والتعايش معها: نحن جزء لا يتجزأ من البيئة، وعلينا فهم عواقب تدخلاتنا غير المسؤولة.
• فهم تعقيد الخير والشر: الحياة ليست أبيض وأسود، والتعاطف والتسامح أساسيان للتفاهم.
• تقدير قوة الأنثى والشجاعة الحقيقية: أبطال ميازاكي الإناث يمثلن قوة الصمود، التعاطف، والقدرة على القيادة.
• الحفاظ على البراءة والخيال: عالم الأطفال وقدرتهم على رؤية العجائب يمثلان مصدرًا للأمل وحل المشكلات.
• النقد الاجتماعي مع التفاؤل: رغم نقده للحرب والجشع، يترك ميازاكي دائمًا فسحة للأمل وإمكانية التغيير الإيجابي.
باختصار، أفلام ميازاكي هي دعوات للتفكير العميق في علاقتنا بالعالم، تعلمنا أن الجمال يمكن أن يوجد حتى في الأوقات الصعبة، وأن التعاطف والتفاهم هما مفتاحا الخلاص والانسجام. إنها تجربة بصرية وفكرية تثري الروح وتلهم العقل.
الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.