الثلاثاء , 29 يوليو 2025 - 2:30 صباحاً

رانية مرجية تكتب عن شوقية عروق: هي التي أشعلت في قلبي الحبر

الكاتبة والأديبة شوقية عروق

الكاتبة والأديبة شوقية عروق

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

بقلم: رانية مرجية

أنهيتُ دورة توجيه المجموعات مؤخرًا. وفي أحد اللقاءات، سألوني سؤالًا بدا بسيطًا لكنه لامس أعماقي: "من أثّر فيكِ؟ من مثلكِ الأعلى؟ ولماذا؟" لم أحتج إلى وقتٍ للتفكير. قلت بثقة، وشيء من الامتنان الغائر في الذاكرة: شوقية عروق منصور.

شوقية عروق منصور هي كاتبة وأديبة فلسطينية معروفة بمقالاتها التي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية عميقة. تظهر كتاباتها في عدة صحف ومواقع، وتتميز بأسلوبها الجريء والصادق، الذي يعكس رؤيتها للقضايا المعاصرة وتحديات المجتمع الفلسطيني والعربي.

هي التي لم أرَها في طفولتي، لكنني شعرت بها في كل خلية من وجداني. هي التي أشعلت في قلبي الحبر، وأوقدت شرارة الكلمة الأولى.

كنتُ في الثالثة عشرة من عمري، لا أعرف شيئًا عن السياسة، ولا أفقه شيئًا في الصحافة، لكنني كنت أعرف أن هناك مقالة تنتظرني كل أسبوع. كنت أشتري صحيفة بانوراما لا لشيء، إلا كي أقرأ شوقية. كأنني كنت أبحث عن نَفَس يشبهني، عن امرأة تكتب بما يشبه صوت أمي حين تغضب، وحين تحب. كلماتها كانت قوية، صافية، جريئة، تشبه رائحة الخبز الحار والطلقة الأولى في المعركة. كانت تكتب دون أن تستأذن، تصفع دون أن تؤذي، وتفتح النوافذ على وجعنا نحن النساء، نحن الفلسطينيين، نحن الذين نبحث عن هويتنا بين الحبر والمنفى.

كل جمعة – أو متى ما صدرت الصحيفة – كنت أفتح صفحات بانوراما كمن يفتح رسالة سرّية، أقرأها وأنا أتخيل صوتها، نظرتها، إيقاع الحروف على أصابعها. منها تعلّمت أن الكلمة موقف، وأن الكتابة ليست مهنة، بل قدرٌ يشبه الصلاة والعصيان معًا. لم يكن في بيتي صحافيون، ولم أكن أعرف الفرق بين المقال والقصيدة، لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا: أنني أريد أن أكتب مثل شوقية. أريد أن أقول الحقيقة، ولو على حافة سكين.

كبرتُ، وكبرت كلماتي معي. لكن في كل مرة أمسك فيها القلم، أشعر أنني أستعير شيئًا من روحها، من شجاعتها، من صدقها. هي التي أيقظت في داخلي الصحافية، الكاتبة، الثائرة، والإنسانة. وما زلت أؤمن، حتى اليوم، أن من يقرأ لشوقية لن يكتب إلا بصدق.

شوقية لم تكن تكتب لتُعجب أحدًا، بل لتوقظ أمة. كانت تقول ما لا يُقال، وتدسّ في كل مقالة حبًا وفلسطينًا وقهرًا جميلًا. ومثلما تعلمتُ منها كيف أكتب، تعلمت منها أيضًا كيف أظل واقفة حين تضيق الدنيا.

لهذا... إن كان لي من بداية، فكانت هناك. بين أوراق جريدة، وبين سطور امرأة اسمها شوقية. هي التي أشعلت في قلبي الحبر، وجعلتني أؤمن بأن الكلمة سلاح، وأن القلم وطن.

×