الثلاثاء , 05 أغسطس 2025 - 9:58 مساءً

لا تحاول أن تستهزئ بطيبتي… لأنك باختصار ستفقدني - بقلم: رانية مرجية

الاعلامية رانية مرجية

الاعلامية رانية مرجية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

في هذا العالم المُتخَم بالمراوغة والمصالح، يُنظر إلى الطيبة على أنها سذاجة، ويُفسّر الصدق ضعفًا، وتُحسب النوايا البيضاء على صاحبها وكأنها جرم لا يُغتفر. وما أدراك ما الذي يحدث حين يستهزئ أحدهم بطيبتي؟ حين يجرّها إلى ساحة سخريةٍ لا تعرف الرحمة، أو يحاول أن يستخدمها سلّمًا لبلوغ أنانيته؟ عندها، سيكتشف أنه لم يعبث بميزة فيّ، بل دسّ يده في عمق جرحٍ مقدّس، وأنه باختصار… سيفقدني.

أكتب هذه الكلمات، لا من موقع الغضب، بل من مقام الوعي.
أنا لا أفتخر بطيبة تُفقدني كرامتي، ولا أتمسك بها تمسّك الغريق بقشة، لكنني أعتزّ بكوني أختار أن أكون طيّبة في عالم ينضح بالخراب.
طيّبتي ليست ضعفًا، بل قوّة هادئة، لا تُجيد العواء، لكنها تعرف كيف تضع الحدود حين تُمسّ الكرامة.

الطيبون ليسوا حمقى، بل متعَبين…
متعَبين من فرط الخذلان، من تكرار الخيبات، من أولئك الذين يمدّون أيديهم لدفء قلوبنا، ثم يغرزون خناجرهم حين ندير الظهر.
نعم، أنا طيّبة…
لكنني لست بلا ذاكرة.

أنا أتذكّر من اختبرَ إنسانيتي واستهان بها،
من لم يُقدّر عناقي حين كنت الحضن الوحيد،
من سخر من صمتي الذي كان أعمق من أن يُفسَّر.

الطيبة ليست ورقة بيضاء يخطّ عليها الآخرون ما يشاؤون،
وليست بوابة مفتوحة لكل عابر سبيل.
الطيبة خيار وجودي… لكنني لست ملزمة أن أكون طيّبة إلى الأبد مع من يضعني موضع الاستخفاف.

أحيانًا، نكون في أشدّ الحاجة لأن نقولها علنًا:
لا تحاول أن تستهزئ بطيبتي.
لأنّني، في اللحظة التي أفقدك فيها،
لن أرفع صوتي،
لن ألعنك،
لكنني سأنسحب بصمتٍ يشبه الزلزال.
وسأتركك هناك، تتقلب بين شكوكك،
وتدرك بعد فوات الأوان أنك أضعت قلبًا لم يُخلَق إلا ليحبك.

الطيبة في هذا العصر ليست مجرّد فضيلة…
إنها مقاومة.
وأنا، بكل ما أملك من إرث وجعٍ ومعرفة،
أختار أن أكون طيّبة، ولكن بوعي…
بحدود،
وبحزم من يعرف أن الكرامة ليست نقيض الحب،
بل شرطه الأول

×