السبت , 04 أكتوبر 2025 - 12:24 صباحاً

"الفاشينستا": الإنسان بين مرآة السوشيال ميديا ووهم الكمال

الصورة بلطف عن الشبكة

الصورة بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت_مروة_محاميد

في زمن أصبحت فيه الكاميرا مرآةً قاسية للذات، ووسائل التواصل مسرحًا مفتوحًا لا يغلق، يطلّ علينا مسلسل "الفاشينستا" كصرخة فنية مدوّية. هي صرخة ضد الزيف، التصنّع، والركض المحموم خلف الشهرة. لم يعد الإنسان يبحث عن ذاته الحقيقية، بل عن "نسخته المثالية" التي تحقق أعلى تفاعل وتكسب رضا الجمهور. ففي هذا العالم الرقمي، لا تُقاس القيمة بالصدق، بل بعدد المتابعين، ولا تُروى القصص إلا إذا كانت قابلة للانتشار.

ومن خلال هذا الطرح الجريء، يضع المسلسل يده على مجموعة من القضايا الاجتماعية والنفسية التي باتت جزءًا أصيلاً من واقعنا اليومي، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولًا: هوس الشهرة وتحويل الحياة لمحتوى

تظهر الشخصيات وكأنها تعيش داخل بث مباشر دائم، حيث تتحول حياتها بأكملها إلى محتوى قابل للاستهلاك، وتُصبح مشاعرها مجرد أدوات جذب. الشهرة هنا لم تعد نتيجة للإنجاز أو الموهبة، بل هي الهدف الأسمى بحد ذاتها، حتى لو كان ثمنها هو التضحية بالقيم أو تدمير العلاقات.

ثانيًا: وهم الكمال الرقمي والتصنّع القاتل

يسعى الأفراد لتقديم صورة مثالية مصطنعة لا تعكس حقيقتهم إطلاقاً، مما يخلق فجوة عميقة بين الواقع والمظهر. الفلاتر، التعديلات، والمقارنات المستمرة تفرض ضغطًا نفسيًا هائلاً وتُشوّه مفهوم الذات. وكأن الإنسان بات يعيش في سباق لا ينتهي نحو "الكمال الرقمي" الوهمي.

ثالثًا: تلاشي العلاقات الحقيقية لصالح التجارة

أصبحت العلاقات في هذا الفضاء تجارية بامتياز، والمشاعر تُستغل كوسيلة رخيصة للترويج. الصدق يختفي خلف لوحة الإعلانات، وتضيع النية الطيبة وسط المنافسة الرقمية الشرسة. حتى الروابط الشخصية، كالصداقات والعلاقات العاطفية، تُقاس بمدى تأثيرها وجدواها على جذب الجمهور.

رابعًا: ترويج الفضائح وتحويل الألم لسلعة

يشير المسلسل إلى ظاهرة اللجوء إلى البث المباشر وقت الأزمات والفضائح، وكأن المآسي الشخصية أصبحت محتوى قابلاً للتسويق. يُنتقد هذا السلوك باعتباره "استعراضًا عاطفياً" رخيصًا، حيث يتحول الألم إلى مادة استهلاكية تُباع، بدلاً من أن يُعاش ويُحلّ في إطار من الخصوصية والاحترام.

"الفاشينستا" لا يكتفي بعرض حياة شخصيات مهووسة فحسب، بل يضعنا نحن كجمهور أمام مرآة الحقيقة. في عالمٍ باتت فيه الهوية تُفصّل حسب الطلب، والمشاعر تُعرض للبيع، يطرح المسلسل سؤالًا وجوديًا جوهرياً: هل ما نعيشه حقيقي؟ أم أننا جميعًا نؤدي أدوارًا في مسرح رقمي لا ينتهي؟

إن الفضائح، التصنّع، واللهاث خلف الكمال، ليست مجرد ظواهر عابرة، بل هي أعراض لخلل أعمق في فهمنا لمعنى الذات والآخر. وبين كل بث مباشر وإعلان، تضيع الحقيقة، ويُستبدل الصدق بالتفاعل، وتتراجع الإنسانية لصالح الإعلانات.

ربما لا يقدّم "الفاشينستا" حلولًا جاهزة، لكنه بالتأكيد يوقظ فينا وعيًا نائمًا، ويحثّنا على إعادة النظر في علاقتنا مع هذا العالم الرقمي الذي نعيشه... أو نتوه فيه.

×