عندما أكتشف ذاتي - بقلم: خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك

خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك
بقلم: خالد بشارات - مستشار أسري محلل سلوك
قد يقضي الإنسان سنوات طويلة من عمره، بل وقد يصل إلى مراحله المتقدمة، دون أن ينجح في تحقيق أدنى مستويات التكيف أو التصالح مع ذاته، أو حتى مع مجتمعه وعائلته.
صراع الهوية والقدرات
في المراحل العمرية الأولى، قد يُغذَّى عقل الفرد بكلمات أو صفات أو طموحات تجاوز إمكانياته وقدراته الحقيقية. يستمر هذا الشخص في حالة صراع مستمر في محاولة يائسة للوصول إلى المسميات التي أُلصقت به مبكرًا. وحينما يكتشف أنها لم تكن متوائمة مع قدراته الذاتية، يصاب بالإحباط والفشل، ليدخل في دائرة من المشاكل النفسية والجسدية المرهقة.
لهذا، يا صديقي، قبل أن تُصدِّق ما يمليه عليك المحيط الخارجي، صَدِّق نفسك. اعرف إمكانياتك وقدراتك جيدًا، تصالح مع ذاتك، وتصرف بناءً على ما تملك من قوة، ولا تُلقِ بنفسك تحت وطأة ضغط توقعات الآخرين.
قيمة الذات والاهتمام بها
يمتلك الإنسان جسدًا واحدًا ونفسًا واحدة. إنْ ظلمها وأرهقها بما لا تطيق، عادت عليه بوابل من الأمراض والمتاعب. لكل واحد منا رغبات واحتياجات وقدرات تخصه، ويجب عليه أن يتعامل بناءً عليها، لا بناءً على قدرات الآخرين أو طموحاتهم.
كثيرون ممن نقابلهم يعانون من قلق وتوتر شديدين، حوَّلا حياتهم إلى جحيم وعرقلهم عن التقدم والنجاح. يكمن السبب غالبًا في أن الأفكار التي يحملونها هي نتاج تنشئة غير صحيحة. هذا الشخص يحاول جاهدًا تحقيق "نبوءة" معيَّنة أُطلقت عليه، لكن قدراته الحقيقية تقف عائقًا أمامه. لقد تربَّى على أن يكون متحركًا حسب رغبات الآخرين، ولم يُفكر يومًا في التحرك كما يشاء، ما أدى به إلى الضياع النفسي الذي يتبعه غالبًا الضياع الجسدي.
نداء لأولياء الأمور: غرس الاستقلالية
إلى أولياء الأمور، الأمهات والآباء:
-
اغرسوا في عقول أولادكم الاستقلالية الفكرية، لكن اجعلوها مبنية على قدراتهم الفعلية.
-
اسمحوا لهم أن يجربوا حلولًا لمشاكلهم، وأشركوهم في صنع القرار، حتى لو كان ذلك مبدئيًا أو ظاهريًا.
-
أبناؤنا اليوم يجدون صعوبة في التصرف خارج حدود التواصل الاجتماعي عبر الأجهزة. علِّموهم أن الفشل مرة ما هو إلا مفتاح لنجاح مستقبلي.
-
لا تُقارنوهم بأحد، بل قارنوهم بأنفسهم بين اليوم والأمس، وبين اليوم والغد. إن كثيرًا من أسباب الفشل لدى البعض هي نتيجة أفكار خاطئة وتنشئة غير صحيحة.
تعليم الحدود والمصلحة الذاتية
إن ما نراه اليوم من ضياع، وتوتر، وحالات مؤسفة سببه أننا تركنا الحبل على غاربه وصرنا نشاهد عن بُعد.
-
علِّموا أبناءكم أن يقولوا "لا" عندما تُفرض عليهم أمور ليست في مصلحتهم.
-
علِّموهم أن المصلحة الذاتية تأتي أولًا.
-
علِّموهم أن الاهتمام بأنفسهم، حتى بمقابل تطلعات الآخرين، ليست أنانية، بل هي أساس الصحة النفسية.
-
علِّموهم طبيعة العلاقة الإيجابية من السلبية وكيف يضعون الحدود.
نحن أمام جيل تربَّى بعيدًا عن كثير من العادات والتقاليد المتوارثة بشكل متوازن، وربما كان هذا أحد أسباب وصولنا إلى ما نحن فيه من تحديات. فلنصحح المسار ببدء عملية الاكتشاف الذاتي والتقدير السليم له.