السبت , 01 نوفمبر 2025 - 9:03 مساءً

القصيدة كسيناريو: تحليل مشهدي لصراع المدينة والأبعاد الاجتماعية - قراءة في نص كاظم حسن سعيد

تم إنشاء الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

تم إنشاء الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: مندوبة موقع حيفا24نت

تتميز قصيدة الشاعر كاظم حسن سعيد بنزعة بصرية هائلة، تجعلها أقرب إلى سيناريو متكامل يعتمد على تقنية المونتاج والموازاة ليكشف عن وجه المدينة المتوتر والمنقسم. النص ليس مجرد وصف لشارع، بل هو تشخيص عميق لعلاقات القوة والهوية وحالة الاغتراب الاجتماعي، حيث يقسم الشاعر نصه إلى مشهدين متنافرين، يفصل بينهما قطع سينمائي حاد (Sharp Cut)، ليجسد صراعاً وجودياً وسياسياً ضمن إيقاع الحياة اليومية.

I. المشهد الأول: التوتر الصامت ورقصة الهويات المتضادة

(افتتاحية المشهد: لقطة واسعة (Wide Shot)، ثم تقترب الكاميرا ببطء نحو الأفراد.)

المكان هو شارع مزدحم في مدينة ذات "بنايات شاهقة"، ما يوحي بالضخامة والسلطة. الإضاءة توصف بـ "ناضجة الهيمنة"، وهي إشارة قوية إلى إضاءة مدروسة تؤكد على الجو المسيطر والمُسيَّر. هذا المشهد هو دراما التوتر المكبوت، حيث تتجلى الأبعاد الرمزية للنص.

التضاد الرمزي للشخصيات

يُستخدم المونتاج البارد لعرض شخصيتين متناقضتين تمثلان أقطاب الصراع الاجتماعي:

  1. رجل الدين (رمز الانغلاق): يظهر الرجل القصير بطاقيته الدينية (الكيباه) و "مطئطئاً" وهو يمر. حركته توحي بالانزواء والخضوع أو تجنب المواجهة، ليمثل الهوية التقليدية أو الدينية التي تحاول البقاء بمعزل في فضاء مُعسكر.

  2. الفتاة (رمز الحداثة والعسكرة): هي النقيض البصري والفكري. تُوصف بـ "غاية الأناقة والرشاقة" و تتحرك بـ "خطى عسكرية". هذا الدمج هو نقد رمزي للوضع الاجتماعي؛ حيث تدمج الهوية بين الجمال والحياة (ذيل الحصان والأناقة) وبين آلة القتل والسلطة ("رشاشة معلقة").

النقد الاجتماعي والذروة الصامتة

التوتر لا ينشأ من الصدام، بل من التجاهل المتعمد: "يدهشك لا يتصادمون ولا أحد ينظر لآخر". هذا الوصف ليس لحركة منظمة، بل هو نقد اجتماعي حاد لحالة العزلة الحضرية والاغتراب في مجتمع مثقل بالخوف؛ حيث النظرة قد تكون مكلفة، والحياد المتبادل هو آلية البقاء.

يبلغ التوتر ذروته في لقطة التناقض: الفتاة تمسك "علبة العصير" (رمز الاستهلاك والروتين السلمي) بينما يتأرجح السلاح. هذا يصور تطبيع العنف، حيث أصبحت الرشاشة جزءاً من التفاصيل اليومية كعلبة العصير. ينتهي المشهد في لقطة مُجمّدة (Freeze Frame) تحذر من انفجار الهدوء الحذر.

II. المشهد الثاني: القطع إلى الفزع الملحمي وانفصال الطبقات

(انتقال مفاجئ: لقطة قطع (Cut) حادة، تنتقل من الهدوء المتوتر إلى الفوضى الصريحة.)

ينتقل السرد فجأة إلى الكارثة الخارجية الصريحة في "الشارع البعيد ملحمة من الفزع". هذا الانتقال يعمل كـ كشف درامي يوضح الثمن الباهظ للهدوء الزائف في المشهد الأول. المشهد الثاني هو مونتاج لقطات سريعة وفوضوية للدمار واليأس، ليمثل الواقع المأساوي الذي يتجاهله أو يتغافل عنه المشهد الأول.

سردية الضحية والتهميش

تتوالى اللقطات القصيرة والحركية التي تظهر معاناة الطبقة المتضررة والمنسية:

  • لقطة العجز: "ينقلون قتلاهم والجرحى بالخرق" (استخدام "الخرق" بدلاً من المعدات يؤكد على الفقر والعجز المجتمعي).

  • لقطة الموت: "يتكورون على برك الدماء".

  • لقطة الأمل اليائس: "يتسابقون لأطفال تحت الأنقاض".

نقد انفصال الواجهة والعمق

يكمل الشاعر نقده الاجتماعي عبر تقنية الموازاة (Juxtaposition) التي تربط المشهدين في "ذات اللحظة"، لتؤكد أن هذه التناقضات ليست منفصلة، بل جزء من نظام واحد:

  1. الواجهة (المشهد الأول): تعيش حالة توتر أنيقة ومنظمة، قادرة على الروتين والتجاهل.

  2. العمق (المشهد الثاني): تعاني الفوضى والموت والدماء، وتستخدم الخرق لدفن قتلاها.

إن التناقض بين علبة العصير وبرك الدماء هو جوهر النقد الاجتماعي للقصيدة: حيث يتبادل البعض الرمزيات في شارع الإضاءة الساطعة، بينما يغرق آخرون في الدم والأنقاض في شارع الظل، مما يؤكد أن "للجمال وجهان" في مدن الصراع.

لقراءة القصيدة:

( مشهدان)

صاحب العربة وسط الزحام يفرق السيل البشري

الرجل القصير شبه البدين يضع طاقية دينية على راسه

يخطو عكس الفتاة شعرها ذيل حصان

تشق طريقها بخطى عسكرية رشاشة معلقة بالكتف

تتارجح على كتفها غاية الاناقة والرشاقة

النساء يحمين الصدور اذ يتخطين الرجال..

يدهشك لا يتصادمون

ولا احد ينظر لاخر البنايات شاهقة الاضاءة ناضجة الهيمنة

يتكرر المشهد: يمر مطئطئا رجل الدين بطاقية الكيباه

جوار الفتاة شعرها المتقافز اشد قلقا من رشاشها وهي تمسك علبة العصير

هدوؤها الحذر قد يتحول لشراسة فاتكة باية لحظة..

للجمال وجهان في ذات اللحظة ،

الشارع البعيد ملحمة من الفزع

ينقلون قتلاهم والجرحى بالخرق يتكورون على برك الدماء

او يتسابقون لاطفال تحت الانقاض

2025

×