سامية عرموش: وداعًا رجاء الجداوي.. "اللي يخاف يسلّم" صرخة أخيرة لم تنسَ

سامية عرموش
كتبت : سامية عرموش
في صباح الأحد، ودعت الساحة الفنية المصرية والعربية قامة فنية راسخة، الفنانة القديرة رجاء الجداوي، عن عمر يناهز 82 عامًا، بعد صراع مع مضاعفات فيروس كورونا المستجد. خبر رحيلها، الذي أعلنته ابنتها أميرة مختار بقلب يعتصره الألم عبر فيسبوك بعبارة "إنا لله وإنا إليه راجعون مامي في ذمة الله"، ترك فراغًا كبيرًا في قلوب محبيها وجمهورها العريض.
كانت الفنانة الراحلة قد أصيبت بالفيروس في أواخر شهر مايو الماضي، ونقلت على إثرها إلى المستشفى لتلقي الرعاية اللازمة، لكن القدر كان له كلمة أخرى. وفي تسجيل صوتي مؤثر يعدّ بمثابة وصيتها الأخيرة، وجهت رجاء الجداوي رسالة قوية للجمهور حول أهمية توخي الحذر من فيروس كورونا، قائلة بأسلوبها البسيط والعميق: "اللي يخاف يسلّم!"، تعبيرًا عن إيمانها بأن الحذر والوقاية هما سبيل النجاة.
مسيرة فنية وحياتية حافلة بالعزيمة والإلهام:
ولدت رجاء الجداوي، واسمها الأصلي نجاة علي حسن، في 6 سبتمبر 1938 بمحافظة الإسماعيلية. اتسمت مسيرتها الحياتية بالتنوع والإصرار على النجاح، حيث بدأت حياتها العملية في كراج حافلات بعد انتكاسة اقتصادية مرت بها أسرتها، ثم عملت كمترجمة في شركة إعلانات، مما يعكس مرونتها وقدرتها على التكيف في مواجهة الصعاب.
كان عام 1958 نقطة تحول في حياتها عندما فازت بلقب ملكة جمال القطر المصري، مما فتح لها أبواب عالم عروض الأزياء. سرعان ما سطع نجمها لتصبح أشهر عارضة أزياء في مصر والعديد من الدول العربية، وامتدت هذه التجربة لتشمل العمل كعارضة لمدة سبعة أشهر في باريس لدى مصمم الأزياء العالمي بيير كاردان. لم تكن رجاء الجداوي مجرد ممثلة موهوبة، بل كانت أيقونة للأناقة والرقي على مدار عقود. انعكست هذه الأناقة على شخصياتها الفنية الأرستقراطية، فمنحتها مصداقية وعمقًا، وجعلتها محط إلهام للكثير من النساء في الوطن العربي في سعيهن نحو التميز والمظهر الأنيق. لم تكن الموضة بالنسبة لها مجرد ملابس، بل تعبيرًا عن شخصية قوية وواثقة.
ارتبطت رجاء الجداوي منذ صغرها بخالتها الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا، وانتقلت للإقامة معها في القاهرة. ورغم اعتراض خالتها على دخولها عالم الفن خوفًا عليها من متاعب المهنة، أصرت رجاء على تحقيق حلمها، وهو ما أدى إلى قطيعة استمرت ست سنوات بينهما قبل أن تعود المياه إلى مجاريها، في دليل على عزيمتها القوية وتمسكها بشغفها.
تزوجت الراحلة من لاعب كرة القدم الشهير الكابتن حسن مختار، حارس مرمى المنتخب المصري، الذي تعرفت عليه خلال أحد عروضها الفنية في السودان، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة أميرة، لتجمع بذلك بين حياة الفن والأضواء وحياة الاستقرار العائلي.
طوال مسيرتها الفنية التي امتدت لأكثر من 60 عامًا، شاركت رجاء الجداوي في أكثر من 250 عملًا فنيًا، بما في ذلك أفلام سينمائية خالدة مثل "دعاء الكروان" الذي كان انطلاقتها السينمائية المبكرة إلى جانب أحمد مظهر وفاتن حمامة، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات التي تركت بصمة واضحة في الوجدان العربي.
عُرفت رجاء الجداوي بابتسامتها التي لا تفارق وجهها وروحها المتفائلة التي كانت تشع إيجابية. هذه الروح لم تكن مجرد سمة شخصية، بل كانت فلسفة حياة ساعدتها على تجاوز تحديات كبيرة، وواجهت بها الصعاب بقوة وثبات. كما كانت الجداوي بمثابة العمود الفقري الدافئ للوسط الفني، فكانت جسرًا يربط بين الأجيال، تقدم الدعم والنصيحة للفنانين الشباب، وتحظى باحترام ومحبة الجميع بفضل دماثة خلقها وتواضعها وأدبها الجم. ورغم كل ما قدمته من فن وجمال، فقد أزعجها كثيرًا تداول صورتها الأخيرة وهي على سرير المستشفى قبل رحيلها، مما يعكس حرصها الشديد على صورتها العامة حتى اللحظات الأخيرة.
رحلت رجاء الجداوي بجسدها، لكن "اللي يخاف يسلّم" ستبقى صرخة مدوية في الأذهان، وستظل مسيرتها الفنية والإنسانية إلهامًا لكل من يؤمن بقوة العزيمة وجمال الروح، وبأن الأناقة لا تقتصر على المظهر بل تمتد لتشمل الروح والأخلاق.