نعيمة عاكف: لهاليبو الشاشة.. من السيرك إلى النجومية العالمية وتتويج التمرد

صورة من فيلم "4 بنات وضابط" بلطف عن الشبكة.
كتبت: سامية عرموش
لا يزال سحر الفنانة الاستعراضية خفيفة الظل، نعيمة عاكف، يتردد صداه عبر الأجيال، فقد تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما المصرية بفنها الذي جمع بين الرقص والغناء والتمثيل ببراعة قل نظيرها.
"4 بنات وضابط": أيقونة التمرد وكسر القوالب
تتذكر الكاتبة مشاهدتها لفيلم "4 بنات وضابط" (1954) في مطلع التسعينيات، وكيف انبهرت بأداء نعيمة عاكف ورفيقاتها، وكيف علقت أغاني الفيلم في ذاكرتها طوال فترة المراهقة. لم تكن تعلم حينها أن هذه الفنانة المتمردة بدأت حياتها الفنية في سن الرابعة، متدربة على الاستعراضات الأكروباتية والقفز على الحبال في سيرك والدها "سيرك عاكف". تمردت حتى على العمل دون أجر، لتنتزع راتبها الأول بستة قروش، مؤشرًا مبكرًا على شخصيتها القيادية والمثابرة.
جسدت عاكف في "4 بنات وضابط" دور الفتاة القيادية المتمردة التي تخاطب فتيات جيلها. يعتبر النقاد هذا الفيلم تتويجًا لمسيرتها، حيث أصبحت بسببه أيقونة للفتيات المتمردات. تدور أحداث الفيلم حول الضابط وحيد (أنور وجدي) الذي يعمل بإصلاحية بنات ويقع في حبها، لكنه يقاوم مشاعره. بعد هروبها برفقة ثلاث فتيات أخريات، وفي رحلة البحث عنها، يكتشف الضابط في النهاية عمق حبه لها وأنه لا يستطيع العيش بدونها، ليتزوج الضابط في نهاية الفيلم من خريجة أحداث، ليثبت الفيلم أن الحب لا يعرف المقاييس أو الفروق الاجتماعية.
"لهاليبو": انطلاقة فنية تعكس جوانب من حياتها
بعد فترة من "4 بنات وضابط"، عادت الكاتبة لمشاهدة أعمال نعيمة عاكف في عام 2015، أثناء إعداد دراسة أكاديمية حول الراقصات كسفيرات للتغيير الثقافي والاجتماعي في أربعينيات القرن الماضي في مصر، حيث تناولت نعيمة عاكف إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال. ومن بين الأفلام التي شاهدتها، كان فيلم "لهاليبو" (1949) الذي شكل إحدى انطلاقاتها السينمائية البارزة.
في "لهاليبو"، جسدت نعيمة شخصية "إلهام" الراقصة الشهيرة بـ"لهاليبو"، والتي لا يرغب جدها الباشا بالاعتراف بها بعد وفاة والديها بسبب كرهه للبنات. تتنكر إلهام في زي صبي لتذهب للإقامة معه، وتستمر في عملها كراقصة، وتقع في حب الشاب أمير (شكري سرحان). ينتهي الفيلم بنهاية سعيدة بعد أن يحب جدها وجودها وحضورها، ويعترف بها وبموهبتها وشغفها الفني.
الفيلم، الذي حمل اسم نعيمة عاكف كعنوان وكان محركها الرئيسي، طرح بعض الجوانب من قصتها الحقيقية. فقد نزحت نعيمة، وهي أصغر أخواتها، إلى القاهرة مع أمها وأخواتها بعد زواج والدها من أخرى. بدأت العمل مع الفنان علي الكسار في فرقته، وشاهدتها الفنانة بديعة مصابني، صاحبة أكبر فرقة ومسرح استعراضي آنذاك، فعرضت عليها الانضمام لفرقتها، وهذا ما تم. بعد ذلك، لفتت نظر المخرج أحمد كامل مرسي الذي أسند إليها دور راقصة في فيلم "ست البيت" عام 1949.
من هذا الدور الصغير، لفتت نعيمة نظر مخرج الاستعراضات الأول حسين فوزي. تزوج منها فوزي وأسند إليها العديد من البطولات، محولًا إياها من نجمة مسرح إلى نجمة استعراضية وسينمائية عالمية. قدمت معه أهم أفلامها، أولها كان "جنة ونار" و"عيش وملح" عام 1949. وفي العام ذاته، قدمت أول بطولة مطلقة لها من خلال فيلم "لهاليبو"، الذي يعد من علامات السينما المصرية على مدى تاريخها.
تتويج عالمي واعتزال مبكر:
في عام 1956، اختارها الفنان والمخرج زكي طليمات بطلة لفرقة الفنون الشعبية التي مثلت مصر وقدمت عروضًا في الصين وموسكو. وفي مهرجان "موسكو للشباب"، حصلت نعيمة عاكف على جائزة أفضل راقصة في العالم، متفوقة على مشاركين من خمسين دولة.
بعد عشرة أعوام من الزواج، انفصلت نعيمة عن زوجها حسين فوزي بهدوء شديد بعد أن أخرج لها 15 فيلمًا، كان آخرها فيلم "أحبك يا حسن" (1958). تزوجت للمرة الثانية من المحاسب القانوني صلاح الدين عبد العليم ورزقت منه بطفلها الوحيد محمد صلاح الدين عبد العليم. تفرغت لتربيته بعد إنجابه، وذكرت بعض المصادر أنها اعتزلت الفن بسبب غيرة زوجها ورفضه لظهورها ببدلة الرقص.
رحلت "لهاليبو" في 23 أبريل 1966 بعد معاناة مع مرض السرطان، مخلفة وراءها تاريخًا فنيًا لامعًا وإرثًا استعراضيًا رائعًا لا يزال يلهم الأجيال.