السبت , 26 يوليو 2025 - 7:21 صباحاً

سامية عرموش: استحضار الأرواح والحب على القمر – بعض العوالم من أفلام الخيال العلمي المصرية

الصور بلطف عن الشبكة

الصور بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

 كتبت: سامية عرموش

لطالما سحرت عوالم الخيال العلمي المخيلة البشرية، دافعة حدود ما هو ممكن إلى آفاق جديدة. وفي السينما العربية، وتحديداً المصرية، كانت هناك محاولات جريئة لاستكشاف هذا النوع السينمائي، حملت في طياتها تحديات وجدلاً، وشكلت جزءاً من تاريخ الفن السابع في المنطقة.

"عيون ساحرة": جدل حول إحياء الموتى في ثلاثينات القرن الماضي

في عام 1934، أثارت المنتجة اللبنانية الأصل آسيا داغر جدلاً واسعًا في مصر بإنتاجها لفيلم "عيون ساحرة". لم يكن هذا الفيلم مجرد عمل سينمائي عادي، بل كان أول فيلم خيال علمي مصري، وتناول فكرة "إحياء الموتى". أثار هذا الموضوع الحساس نقاشات حادة بين الرقابة والأزهر، كونه يمس فكرة الروح والموت، مما أدى إلى صدور أمر بوقف عرضه.

واجهت آسيا داغر هذا القرار بشجاعة، مدافعة عن فيلمها بالاستشهاد بوجود علم التنويم المغناطيسي، وأن فكرة الفيلم تدور حول هذا المفهوم. لكن حججها لم تقنع لا الرقابة ولا الأزهر، واستمر الصراع حول عرضه. تدخل رئيس الوزراء المصري آنذاك، عبد الفتاح باشا يحيى، ليصرح بعرض الفيلم، بعد أن برر صناعه موقفه بأن البطلة كانت تحلم في النهاية، وبالتالي لا يوجد أي تعدٍ على الدين. وبشكل مفاجئ، لم يجد الجمهور أي علاقة للفيلم بالدين، وحقق الفيلم مبيعات هائلة، مؤكدًا تعطش الجمهور لمثل هذه الأفكار الجديدة.

تدور أحداث الفيلم، الذي كتبه وأخرجه أحمد جلال ولعبت بطولته آسيا داغر وماري كويني إلى جانب أحمد جلال، حول قصة حب بين المطربة دليلة والشاب سامي. بعد خلاف بينهما، يقع لهما حادث تنجو منه دليلة بينما يموت سامي. تدفعها الصدمة لتنظيم طقوس سحرية في المقبرة، وتحضير الأرواح والتعاويذ لإرسال "عيونها المسحورة" لسحر فتاة من القاهرة، ونقل روحها إلى جثة سامي. وبحسب رواية الفيلم، يعود سامي للحياة تحت سيطرة دليلة، لكن روحه تظل معلقة بروح الفتاة المسحورة. تغضب دليلة وتنهي السحر، لتستيقظ على خادمتها التي توقظها من نومها، وتكتشف أنها كانت تحلم بكل ذلك! الفيلم الذي اعتبر طفرة في فن الكتابة حينها، شكل محاولة رائدة في أدب الخيال العلمي السينمائي العربي.

"رحلة إلى القمر": أول فيلم خيال علمي بامتياز

رغم الضجيج الذي رافق "عيون ساحرة"، يرى النقاد أن أول فيلم عربي يستوفي شروط ومؤهلات أفلام الخيال العلمي الحديثة هو فيلم "رحلة إلى القمر" (1959). هذا الفيلم الكوميدي، من إخراج وسيناريو حمادة عبد الوهاب وبطولة رشدي أباظة، إسماعيل ياسين، صفية ثروت، وأدمون تويما، يقدم تجربة مختلفة تمامًا.

في الفيلم، يتسبب الصحافي إسماعيل ياسين، عن طريق الخطأ، في إطلاق صاروخ إلى الفضاء قبل استكمال تجهيزاته النهائية، ليجد نفسه برفقة المختصين في طريقهم نحو القمر. هناك، يلتقون رجلاً يعيش هو وابنته مع رجل آلي على سطح القمر. يتمتع الفيلم بحس كوميدي عالٍ، سواء من حيث أداء الممثلين وسيناريو الفيلم، وكذلك بالطريقة التي صور بها العوالم المستقبلية بشكل فاقع. ويُقال أن هذا الفيلم يخاطب روح الفيلم الأيقوني "رحلة إلى القمر" (A Trip to The Moon) الذي أخرجه جورج ميلييس عام 1902، والذي يعتبر أول فيلم خيال علمي صامت في تاريخ السينما العالمية.

أفلام مصرية أخرى في عالم الخيال العلمي:

تنضم هذه الأفلام إلى قلة من الإنتاجات المصرية في مجال الخيال العلمي مقارنة بالإنتاجات الأمريكية، وذلك لأسباب عديدة. من أبرز هذه الأفلام:

  • "سر طاقية الإخفاء" (1959): تدور أحداث الفيلم حول الشقيقين "عصفور" و"فصيح" اللذين يسخر منهما جيرانهما بسبب اختراعات والدهما الفاشلة. يترك الأب محل العطارة ليُكرس نفسه للاختراعات، وفي خضم المشاكل العائلية والعاطفية التي يواجهها عصفور، يعرض الفيلم قصة طاقية سحرية قادرة على الإخفاء.

  • "هـ 3" (1961): يستعرض فكرة اكتشاف دواء يعيد للعجائز وكبار السن شبابهم وصحتهم، متناولًا بذلك مفهوم التجديد البيولوجي.

  • "أرض النفاق" (1968): يتناول الفيلم قصة "مسعود" الذي يعاني في مجتمع تغيب عنه الأخلاق. يجد بالصدفة مكانًا لبيع "حبوب الأخلاق"، فيشتري حبوب الشجاعة التي لا تحقق أهدافه، ثم يلجأ إلى حبوب النفاق التي تغير حياته تمامًا وتجعله يصل إلى أعلى المناصب. لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن عندما يبتلع حبة صراحة فيفقد كل شيء، وهو فيلم يطرح تساؤلات حول القيم والمجتمع.

  • "قاهر الزمن" (1987): المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه لرائد كتابات الخيال العلمي نهاد شريف. تدور أحداثه حول الدكتور حليم الذي يجري بحثًا علميًا لتطبيق نظرية تجميد أجساد البشر المصابين بأمراض لا علاج لها، على أمل إيجاد العلاج لهم ولو بعد مئة عام، لتعود أجهزة الجسم لأداء وظيفتها بالكامل عند فك التجميد.

مستقبل الخيال العلمي العربي:

حققت أفلام الخيال العلمي نجاحًا باهرًا عبر تاريخها، وتزداد شعبيتها يومًا بعد يوم في العالم العربي والغربي على حد سواء. ومع أن السينما الأمريكية تنتج ما بين 6 إلى 10 أفلام خيال علمي كل سنة، وهو تقريبًا نفس العدد الذي أنتجه العالم العربي عبر تاريخه بأكمله، فإن أدب الخيال العلمي قائم في المنطقة والجمهور المحب له موجود، مما يفتح الباب لمستقبل واعد لهذا النوع السينمائي في المنطقة.

×