الجمعة , 02 مايو 2025 - 12:15 صباحاً

"يا غايب": رحلة فضل شاكر بين الفن والضياع، بحثًا عن الحقيقة الإنسانية وعودة بعد غياب

الصورة بلطف عن الشبكة

الصورة بلطف عن الشبكة

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: #سامية_عرموش

منذ انطلاقته القوية في عالم الغناء، استطاع الفنان اللبناني فضل شاكر أن يلامس قلوب الملايين بصوته العذب وأغانيه الرومانسية التي لا تزال حاضرة في وجدان الجمهور العربي. لكن حياة هذا الفنان لم تخلُ من محطات درامية وتقلبات حادة، وصلت به إلى اعتزال الفن وابتعاده عن الأضواء لسنوات طويلة.

لم تكن بداية حياة فضل شاكر مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالتحديات القاسية. فبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها عائلته، اضطر في طفولته لدخول دار الأيتام. لكن وسط هذه الظروف الصعبة، كان هناك بصيص نور يتمثل في علاقته الخاصة بوالده. فزيارات والده المنتظمة للميتم، واصطحابه الحلويات والنقود له، كانت لحظات مؤثرة تركت أثرًا عميقًا في وجدانه.

وقد كان لوالده دور كبير في شغفه بالموسيقى، حيث كانا يستمعان سويًا لأعمال عمالقة الطرب كعبد الوهاب وأم كلثوم وردة وفيروز خلال سفرهما بحكم عمل الوالد كسائق تاكسي، بالإضافة إلى الاستماع في المنزل. وقد تأثر الوالد بشدة بقرار والدة فضل بإرساله إلى الميتم. هذه العلاقة المميزة تبرز مدى تعلق فضل بوالده وتأثيره في حياته. ويبدو أن هناك تقاطعًا كبيرًا بين هذه الطفولة القاسية وتعاطفه الشديد لاحقًا مع ضحايا الثورة السورية.

فمن عاش مرارة الفقد والنزوح والصعاب، ربما يكون أكثر حساسية لمعاناة الآخرين. إلا أنه قد يرى البعض، خاصة خصوم الفنان، أن التركيز على هذه الطفولة الصعبة يهدف إلى استمالة تعاطف الجمهور وتغطية الاتهامات الخطيرة التي وُجهت إليه بشأن واقعة القتال ضد الجيش اللبناني في عبرا.

اليوم، تعود قصة فضل شاكر لتُروى من جديد، ولكن هذه المرة من خلال عمل وثائقي درامي يحمل عنوان "يا غايب" يُعرض حصريًا على منصة شاهد. ويُعتبر اختيار هذا الاسم ذكيًا للغاية، فهو يستند إلى إحدى أشهر وأنجح أغاني فضل شاكر التي حققت انتشارًا واسعًا في العالم العربي.

العنوان نفسه يبدو ملائمًا لفنان غاب عن الساحة الفنية لفترة طويلة ثم عاد ليقدم روايته للأسباب والحقائق، بعيدًا عن التكهنات والتلفيقات كما وصفها.
المسلسل الذي بدأ عرضه في 20 أبريل 2025، يأخذنا في رحلة عبر محطات حياة الفنان، بدءًا من بداياته الفنية الصاعدة وشهرته الواسعة، وصولًا إلى قراراته المفاجئة وابتعاده عن الساحة الفنية، وما تلا ذلك من أحداث وتطورات.

"يا غايب" ليس مجرد سيرة ذاتية تقليدية. العمل يمزج بين اللقطات الوثائقية الحقيقية التي يظهر فيها فضل شاكر بنفسه ويتحدث عن تجربته، وبين مشاهد درامية تمثيلية يقوم فيها ثلاثة ممثلين بتجسيد شخصيته في مراحل عمرية مختلفة.

ويبدو أن المسلسل يقدم هذه الأحداث من وجهة نظر الصحافية التي "تغوص في ماضي فضل شاكر، بحثا عن إجابة وافية على "السؤال الصحيح". قبل لقائه، تجتمع بعائلته، لتكتشف الإنسان والأب والفنان بين سطور تغيره المثير للجدل".

تقدم الحلقات التسع بانوراما شاملة لحياة فضل شاكر، مدعومة بشهادات من خبراء ومتخصصين أضافوا زخمًا وبعدًا للرواية. فقد شارك في العمل قاضٍ سابق، وناقد فني، وناشط سياسي، بالإضافة إلى مرافقه الشخصي ووكيلته، ليطرحوا قضيته بشفافية ومن زوايا مختلفة. هذه الأصوات المتنوعة ساهمت في رسم صورة أكثر تعقيدًا وصدقًا للفنان والظروف التي مر بها، بما في ذلك تعاطفه الكبير مع ضحايا الثورة السورية، والتزامه الديني الذي قاده لاعتزال الفن والانخراط في النشاط السياسي.

في الوقت نفسه، لا يغفل المسلسل الإشارة إلى التحديات القانونية التي يواجهها فضل شاكر، حيث لا يزال القضاء اللبناني ينتظر تسليمه لنفسه. هذه الحقيقة تضيف بعدًا واقعيًا وملموسًا للقصة.

يبقى السؤال: هل نجح مسلسل "يا غايب" في تقديم صورة متوازنة وشاملة لحياة فضل شاكر؟ وهل استطاع أن يكشف عن الدوافع الحقيقية وراء قراراته الصعبة، وأن يقدمه كإنسان بكل تعقيداته؟ الإجابة قد تختلف من مشاهد لآخر، لكن المؤكد أن العمل يثير تساؤلات مهمة حول الصورة النمطية للفنانين والقضايا الإنسانية والسياسية المعقدة، ويفتح الباب لنقاشات حول دوافع صناع العمل وتقييم موضوعيته.

إذا كنت من محبي الفنان فضل شاكر أو كنت مهتمًا بالقصص الإنسانية التي تتداخل فيها الشهرة والضياع والبحث عن الحقيقة، فإن مسلسل "يا غايب" هو عمل يستحق المشاهدة والتفكير النقدي.

السؤال لمن شاهد بعض الحلقات، هل تعتقدون أن المسلسل نجح في تقديم صورة حقيقية ومتوازنة لفضل شاكر، أم أنه يميل إلى تبرير مواقفه؟ شاركونا أفكاركم في التعليقات!

*الصورة بلطف عن الشبكة.

 

الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، محاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.

×