الجمعة , 06 يونيو 2025 - 11:17 صباحاً

تفاقم العنف في المجتمع العربي الفلسطيني بإسرائيل: قراءة في الأرقام والتصريحات من مصادر متعددة

تصوير: جال موسينزون.

تصوير: جال موسينزون.

طباعة تكبير الخط تصغير الخط

كتبت: سامية عرموش

يشهد المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل تصاعدًا مقلقًا في العنف والجريمة المنظمة، مهددًا نسيجه الاجتماعي. تُظهر المعطيات الأخيرة، المستقاة من مصادر صحفية ورسمية، حجم هذه الأزمة وتكشف عن تقاعس المؤسسة الإسرائيلية.

________________________________________

* أرقام تعكس واقعًا مريرًا وتصاعدًا مقلقًا *

العنف المتصاعد في المجتمع العربي الفلسطيني بإسرائيل يرسم صورة قاتمة ومقلقة. فمنذ بداية العام الحالي 2025 وحتى مطلع الشهر الحالي، لقي 106 شخص حتفهم جراء العنف، منهم 6 على يد الشرطة.

هذه الأرقام تأتي في سياق تصاعد مستمر للعنف؛ فقد كشف صندوق مبادرات إبراهيم عبر موقعه الرسمي أن عام 2024 شهد استمرارًا في ارتفاع أعداد الضحايا، حيث فقد 230 مواطنًا ومواطنة عربية حياتهم بسبب العنف والجريمة. هذا العدد المرتفع جاء بعد عام 2023 الذي كان عامًا قياسيًا في معدلات الجريمة، وشهد زيادة في عدد الضحايا بأكثر من 100% مقارنة بعام 2022. الملفت أن أعداد الضحايا في 2024 ظلت مشابهة لعام 2023، ومرتفعة جدًا مقارنة بالسنوات السابقة. هذا الوضع مقلق بشكل خاص في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس وحزب الله، والتي أدت إلى زيادة وجود قوات الأمن في جميع أنحاء البلاد، إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل العنف.

والأكثر إثارة للقلق هو أن 76% من ضحايا القتل في السنوات الأربع الأخيرة (2021-2025) هم من العرب، رغم أنهم لا يشكلون سوى حوالي 21% من السكان. هذه الفجوة الصارخة تشير إلى أزمة متجذرة لا تتوقف (وفقًا لصندوق مبادرات إبراهيم وتقارير الشرطة).

________________________________________

* تواطؤ مؤسسي وتقصير واضح *

تقاعس الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية عن مكافحة الجريمة في المجتمع العربي نقطة محورية. فالنسبة المنخفضة لفك رموز جرائم القتل في المجتمع العربي (20% فقط مقابل 65% في المجتمع اليهودي)، وفقًا لتقرير رسمي صادر عن الشرطة ومكتب الأمن القومي، قد تدل على إهمال متعمد!

هذه الاتهامات بالتقصير والإهمال تدعمها انتقادات نيابية حادة. ففي تموز 2024، كشفت جلسة للجنة رقابة الدولة في الكنيست، برئاسة عضو الكنيست ميكي ليفي، عن فشل ذريع في تعامل شرطة إسرائيل والحكومة مع الجريمة المتفشية في المجتمع العربي. وقد وُجهت اتهامات مباشرة للحكومة بغياب التنفيذ الفعال للخطط المخصصة لمكافحة العنف. رئيس اللجنة، ميكي ليفي، أكد أن "العنف في المجتمع العربي يحطم الأرقام القياسية"، وحمّل رئيس الوزراء ووزير الأمن الوطني المسؤولية المباشرة. كما أشار عضو الكنيست يوآف سيغالوفيتش إلى عدم تنفيذ الأجزاء الرئيسية من الخطة الخمسية الحكومية (قرار 549) وتخفيض ميزانيتها بنسبة 15%. ووصف أعضاء كنيست آخرون الوضع بأنه "تخلٍّ" حكومي عن المجتمع العربي. وعلى الرغم من محاولة ممثلي الشرطة والحكومة تبرير الموقف ببعض الإجراءات، دعت اللجنة في ختام الجلسة إلى اتخاذ إجراءات فورية وملموسة لتحسين الأوضاع (موقع الكنيست، تموز 2024).

من جانبه، يؤكد الدكتور نهاد علي، الباحث في علم الاجتماع، أن ما يحدث هو "إرهاب مدني" سببه الرئيسي "آليات إنفاذ القانون في المجتمع العربي" التي لا تقوم بدورها بشكل كامل، وغياب خطة حكومية واضحة. يرى د. علي أن هذا الوضع مريح للسلطات، مما يشجع العصابات ويقلل من ثقة المواطن بالأمان المجتمعي، ويغري الشباب بالانخراط في الجريمة (موقع عرب 48).

________________________________________

* أسباب متجذرة وجهود مجتمعية محدودة التأثير *

يتغذى العنف المتفشي في المجتمع العربي الفلسطيني من عوامل متعددة ومعقدة. تشمل هذه العوامل الفقر والبطالة، فوصول نسبة "الخاملين" من الشباب إلى 38% يساهم في الإحباط والتوتر. كما يلعب الانحراف الاجتماعي وضعف الدعم الأسري والمجتمعي دورًا في دفع الأفراد نحو السلوكيات العنيفة. لا يمكن تجاهل الصراعات المجتمعية مثل صراع الأجيال الذي يخلق تضاربًا في القيم، والتمييز وعدم المساواة التي تغذي الشعور بالظلم والغضب. بالإضافة إلى ذلك، يساهم ضعف الوعي والمسؤولية الاجتماعية، ونقص البنية التحتية في بعض المناطق، في زيادة التوتر العام.

في المقابل، شهد المجتمع مبادرات مجتمعية بارزة لمكافحة العنف. من أبرزها مسيرة "أمهات من أجل الحياة"، التي انطلقت من حيفا إلى القدس لمدة ستة أيام للتنديد بالعنف، ومنتدى مكافحة العنف الذي نظم عدة مسيرات تحت شعار "مسيرة الأموات" وعقد مؤتمرات مختلفة. لكن، وعلى الرغم من هذه الجهود الحثيثة، لم يطرأ أي تغيير ملموس على أرض الواقع، واستمرت الأزمة في التفاقم.

________________________________________

* مسؤولية مشتركة ودعوة للتحرك *

إن حجم أزمة العنف يتطلب نقدًا صريحًا ومساءلة لجميع الأطراف المعنية. تقع المسؤولية الأكبر على الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية، لتقاعسها الواضح في فرض القانون وتوفير الأمن للمواطنين العرب، وللفجوة الصارخة في معدلات فك رموز الجرائم. كما يُطالب المجتمع العربي بمراجعة داخلية للتعامل مع الظواهر المستجدة، وتعزيز دور مؤسساته المدنية في مواجهة الجريمة المنظمة. أما القيادات السياسية، فيجب أن تضاعف جهودها لممارسة ضغط فعال لوضع خطط عمل شاملة وملموسة.

يُعبر الدكتور نهاد علي عن هذا الواقع الأليم بقوله: "الشرطة لا تريد محاربة الجريمة، ونحن غير قادرين على فعل ذلك" (موقع عرب 48).

هذه الكلمات ليست مجرد وصف، بل هي دعوة ملحة لتعاون جاد وفوري لإنقاذ المجتمع العربي من هذه الآفة المدمرة. فهل تستجيب الأطراف المعنية قبل أن تستفحل الأزمة أكثر؟

==================================

** في ختام مسيرة الأموات في حيفا، وتحديدًا في 1 أيلول 2023، أُقيمت منصة مداخلات تشاركتُ في الإشراف عليها وتقديمها مع محمد أبو الهيجاء، وتُظهر الصورة المرفقة جانبًا من تلك الفعاليات.

 

الكاتبة هي: صحافية وناقدة سينمائيّة، ناشطة ومحاضرة مُستقلّة في موضوع السينما كأداة للتّغيير الاجتماعيّ، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في موضوع "ثقافة السينما" من جامعة حيفا.

×